على الرغم من أن تدريب المعلمين قد وُصف على أنه العامل الأكثر أهمية في التأثير على تحصيل الطلاب، إلا أنه لم يكن أولوية للمعلمين في العديد من الدول العربية. مع السباق نحو اقتصاد المعرفة والتحديث، استثمرت العديد من الدول العربية في اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية. بدلًا من تقديم سياسات وطنية تتبنى وتحتفل بالعربية كلغة حضارة تتمتع بجسد غني من الأدب، والكتابات العلمية، والقصائد الرائعة، ما نشهده اليوم هو تهميش جماعي للغة العربية واعتماد اللغة الإنجليزية كنوع من الحداثة الضالة. نتائج الطلاب في اختبارات القراءة والكتابة باللغة العربية المعتمدة في المنطقة كانت باستمرار تحت المتوسط العالمي على الرغم من العديد من الإصلاحات التعليمية التي تم تنفيذها خلال العقدين الماضيين. ركزت تلك الإصلاحات بشكل رئيسي على إصلاح المناهج وتحويل المحتوى إلى الرقمية بدلًا من إصلاح تدريب المعلمين. قليل من المدارس في المنطقة تستثمر في معلميها للغة العربية. سيركز هذا الفصل على قصة نجاح في تدريب معلمي اللغة العربية في المملكة العربية السعودية، من خلال سرد القصة والعديد من القصص حول ما تفعله المدارس الفاعلة لتطوير مهارات معلميها وكيف يمكن للتدريب الجيد والمستمر والمركّز على المعلمين والمتابعة أن يكون له تأثير على قرائية الطلاب. سيتم تسليط الضوء على مدرسة في المملكة العربية السعودية، حيث يصنف طلابها على نحو مستمر في المراتب العليا في اختبارات القراءة والكتابة باللغة العربية المعتمدة دوليًا وإقليميًا، كدراسة حالة لعرض قصص النجاح من المنطقة في مجال تدريب المعلمين. قد يساعد ذلك في بدء النقاش الذي يؤدي إلى بناء إطار عمل لتدريب المعلمين يمكن أن يعمل في المدارس في المنطقة.
- وصف عام للبحث
-
- الغرض من البحث
-
تستعرض هذه الدراسة مقارنة بين مدرستين في منطقة الخليج العربي، حيث يتم تسليط الضوء على تأثير أساليب التدريس على تعلم اللغة العربية. في المدرسة الأولى، تكون البيئة التعليمية مليئة بالأنشطة التي تشجع الطلاب على التفاعل مع المادة، حيث تعرض جدران الفصول أعمال الطلاب الفنية وكتاباتهم باللغة العربية والإنجليزية. في هذه المدرسة، يُشجَّع الطلاب على المشاركة الفاعلة في الدروس عبر أساليب قراءة جماعية، ويتوفر ركن للقراءة يحتوي على مجموعة من كتب الأطفال العربية، مما يعزز الاهتمام والتفاعل مع اللغة العربية.
في المقابل، المدرسة الثانية تفتقر إلى مستوى التفاعل والمشاركة نفسه. البيئة في هذه المدرسة بسيطة، حيث يتم استخدام العروض التقديمية والوسائط التعليمية دون أن يتم دمج الأنشطة التفاعلية التي تشجع الطلاب على التفكير النقدي. يُلاحظ غياب الأنشطة العملية التي تحفز الطلاب على التفاعل مع المادة، مثل القراءة الجماعية أو الأعمال الفنية.
على الرغم من أن كلتا المدرستين تتبع المناهج نفسها في دول غنية وذات موارد، فإن الفروق في أساليب التدريس تعكس أهمية التدريب المهني المستمر للمعلمين. فالنتائج الدولية لاختبارات القراءة والكتابة تشير إلى أن العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات، تحتل مراتب متأخرة في تصنيفات القراءة مقارنة بالدول الأخرى مثل فنلندا وسنغافورة. هذه النتائج تبرز الحاجة الملحة إلى تطوير التدريس باللغة العربية وتعزيز قدرات المعلمين في إعداد الطلاب لمهارات القراءة والفهم الفاعلة.
ويسلط النقاش في هذا البحث الضوء على ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات التعليم في الدول العربية، مع التركيز على تحسين التدريب المهني للمعلمين وتوفير بيئة تعليمية تفاعلية تشجع الطلاب على تعلم اللغة العربية بشكل ممتع وفعّال.
تلخص الدراسة التي قدمتها هنادا طه-تامور (2019) سبعة عوائق تواجه تدريس اللغة العربية بفاعلية في العديد من المدارس العربية، وهي كالتالي:
- الوقت المخصص لتدريس اللغة العربية: معظم المدارس لا تخصص وقتاً كافياً لدروس اللغة العربية، حيث لا يتجاوز الوقت في اليوم 45 إلى 50 دقيقة، وهو أقل من المعايير الدولية لتدريس اللغة الأم.
- الصرامة: يفتقر تدريس اللغة العربية إلى الصرامة بسبب نقص الخبرة لدى المعلمين وغياب المناهج المثيرة والقائمة على التحدي. يحتاج المعلمون إلى تدريب جيد في استراتيجيات القراءة والكتابة الصارمة.
- قيادة المدارس غير المُطلعة: هناك نوعان من القيادة المدرسية غير المطلعة؛ الأول يتمثل في قادة المدارس الخاصة الذين يجهلون اللغة العربية، مما يقلل من قيمتها. الثاني، في المدارس الحكومية، يشمل مديري المدارس الذين يركزون على الأمور الإدارية دون التفاعل الأكاديمي مع المعلمين.
- عدم إشراك جميع المعلمين في تدريس القراءة: قلة من المدارس ترى أن كلّ معلم يجب أن يكون معلمًا للقراءة أولاً، ممّا يعزز فكرة أن تدريس اللغة العربية يقتصر على معلمي مادة اللغة العربية فحسب.
- إعداد المعلمين قبل الخدمة: يعاني المعلمون الجدد من ضعف برامج الإعداد الأكاديمي، إذ تركز هذه البرامج على التعلم بالذاكرة وتفتقر إلى الخبرة العملية الكافية.
- جودة المنهج الدراسي: المناهج الدراسية الحالية تركز على القواعد والنحو وتفتقر إلى مواكبة المهارات الحديثة، بالإضافة إلى عدم وجود مكتبات صفية تحتوي على كتب أدبية للأطفال.
- تطوير المعلمين المهني: يفتقر الكثير من معلمي اللغة العربية إلى فرص تطوير مهني فعّالة. فالتدريب الذي يتلقونه غالبًا ما يكون غير ذي صلة أو يتم في مجالات غير مرتبطة باحتياجاتهم التدريسية.
يستعرض البحث قصة نجاح في إحدى المدارس في السعودية التي حققت نتائج متميزة في اختبارات القراءة باللغة العربية على المستويين المحلي والدولي.
- إجراءات تنفيذ الدراسة
-
السياق:
بدأت مدارس الظهران الأهلية (DAS) كمدرسة غير ربحية يديرها عائلة في عام 1977 في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث بدأت بـ 56 طالبًا و6 معلمين. حاليًا، تمتلك DAS حرمين دراسيين من مرحلة الروضة حتى الثانوية (K-12)، مع تسجيل محلي يضم 2000 طالب وأكثر من 200 معلم وموظف. وتهدف المدرسة وفقًا لموقعها الإلكتروني إلى "تمكين كل طالب ليكون متعلمًا ثنائي اللغة، مفكرًا، محبًا للتعلم طوال الحياة، ويُحدث فرقًا إيجابيًا على المستوى المحلي والعالمي". كما تُشير فلسفة المدرسة المنشورة على موقعها الإلكتروني إلى ما يلي:
"نرى أن التعليم الممتاز يمس قلوب الطلاب وعقولهم، حيث ينمّي مهاراتهم الفكرية والشخصية والعاطفية والاجتماعية للتعلم والعمل في عالم سريع التغير وعالمي. علاوة على ذلك، يجب أن يوفر لهم شعورًا بالانتماء إلى وطنهم بينما يكون لديهم أيضًا انفتاح على أدوارهم كمواطنين في العالم، ملتزمين باتخاذ إجراءات للمساعدة في جعل عالمهم مكانًا أفضل".
المنهجية:
تم استخدام نهج نوعي في هذه الدراسة، من خلال استخدام مجموعات التركيز والمقابلات لجمع البيانات من أصحاب المصلحة الرئيسيين في المدرسة، نظرًا للثروة المعلوماتية التي يمكن أن توفرها هذه الطريقة في فهم طبيعة التدريس. تم إجراء أربع مجموعات تركيز تشمل أولياء الأمور، والطلاب، والمعلمين المساعدين للطلاب، والإداريين. بالإضافة إلى ذلك، تم إجراء مقابلة فردية مع رئيسة مدربي القراءة والكتابة في المدرسة نظرًا لثروتها المعرفية وخبرتها الطويلة التي تمتد إلى أربعين عامًا في المدرسة. استغرقت كل مجموعة تركيز ومقابلة نحو 90 دقيقة. تم تسجيل جميع مجموعات التركيز والمقابلات ثم تفريغها. تم تحليل البيانات، ومن خلال التحليل، ظهرت سبعة مواضيع رئيسية. طورت الباحثة دليلًا شبه هيكلي لمجموعات التركيز والمقابلات تم مشاركته مع المدرسة مسبقًا. تم اتباع الإجراءات البحثية وفقًا للمبادئ الأخلاقية المطلوبة في البحث النوعي، حيث وافق المشاركون كتابيًا على المشاركة في الدراسة. قام الباحث بشرح هدف الدراسة، وتم إجراء مجموعات التركيز والمقابلات باحترام واهتمام، وتم حذف جميع المعلومات التعريفية.
- نتائج الدراسة
-
عندما طُلب من عشرة من القادة الأكاديميين والمدربين في مدارس الظهران الأهلية تقييم برنامج اللغة العربية في مدرستهم على مقياس من عشرة، كان متوسط التقييم الذي قدّموه هو سبعة. وعند سؤالهم عن سبب تقييمهم المتوسط بالرغم من أن برنامج اللغة العربية لديهم يُعدّ من الأفضل في السعودية، إن لم يكن في المنطقة، كان الردّ بأنهم غير راضين تمامًا عمّا أنجزوه، وأن هناك المزيد ممّا ينبغي تحقيقه في المستقبل. هذه العقلية التي تركز على النمو والتطوير المستمر قد تكون أحد الأسباب الرئيسية وراء سر نجاح هذه المدرسة.
وفي المقابل، لاحظت الباحثة مستوى أقل من المتوسط في دروس اللغة العربية في مدرسة ابتدائية أخرى. وعندما سأل مدير تلك المدرسة عن نوع التدريب الذي قد يحتاجه معلمو اللغة العربية، كان الردّ: "لا شيء، معلمونا مدرّبون جيدًا ولا يحتاجون إلى أي تدريب إضافي!"
في المدارس الفاعلة، لا يُنظر إلى اللغة العربية على أنها مجرد مادة تُدرّس في وقت محدد من اليوم، بل تُعتبر مظلة تشمل جميع المواد الأخرى. يدرك الجميع في هذه المدارس، بدءًا من الطاقم التعليمي وحتى أولياء الأمور والقادة والطلاب، أهمية اللغة العربية. كما أن استخدام استراتيجيات مشتركة بين اللغتين العربية والإنجليزية ساهم في تعزيز التفكير بطرائق مختلفة حول تعليم اللغة وتبني أفضل الممارسات من كلتا اللغتين لمصلحة الطلاب.
وأشار أحد القادة الأكاديميين في مدارس الظهران الأهلية إلى أن: "النجاح هو سلسلة من المفاتيح الصغيرة التي نمنحها للجميع في مدارس تتعلم باستمرار. إنه علاقة تعاونية نتأثر فيها بجميع المعلمين من حولنا ونؤثر فيهم". كانت هذه الفكرة المتكررة التي عبّر عنها جميع المشاركين في المقابلات. الجميع يعملون كفريق واحد، حيث يأتي تعلم الطلاب أولًا، والتدريس لا يعني بالضرورة أن التعلم قد حدث.
المدارس الفعالة تعمل على افتراض أن جميع المعلمين بحاجة إلى المعرفة والمهارات والمواقف التي تضمن نجاح جميع الطلاب. أشار بعض الباحثين إلى أن فاعلية المعلمين لا تعتمد على كمية التدريب وشكله، بل على التركيز على التماسك، والعمل بالبحث والممارسات القائمة على الأدلة، وبناء القدرات لدى المعلمين وقادة المدارس.
يبقى السؤال: هل يمكن تكرار نموذج مدارس الظهران الأهلية بنجاح في سياقات عربية أخرى؟ يحتاج ذلك إلى موارد كبيرة وإعادة تأهيل وتطوير على جميع المستويات، بالإضافة إلى الصبر لرؤية النتائج. ومع ذلك، قد تتمكن مدارس أخرى ذات موارد مماثلة والتزام مشابه من تكرار هذا النموذج مع التكيف الضروري.
تدعو هذه القصة إلى التفكير في إطار لتدريب المعلمين في المنطقة العربية يركز على المعرفة بالمحتوى والبيداغوجيا، يكون طويل المدى، ويعزز التفاهم المشترك، ويستند إلى دعم الطلاب والتدخل المبكر.
- التوثيق
-
Taha Thomure, H. (2023). Arabic language teacher training in the Arabian Peninsula: Great teachers don’t grow on trees. In Coelho, D. & Steinhagen, T. Transformed and Empowered: Plurilingual pedagogy in the Arabian Peninsula. ISBN 9781032326467.