بحوث زاي العلمية

العودة الى بحوث زاي العلمية
مناهج اللغة العربية في العالم العربي: تجارب الحاضر وآفاق المستقبل دراسة تحليلية لنماذج من مناهج الإمارات والأردن وتونس والسعودية ومصر
  • وصف عام للبحث
  • يمثـّـل هــذا الكتــاب الــذي اســتغرق قرابــة عامــين مــن العمــل دراســة علميــة عميقــة تتنــاول بالبحــث والتحليل مناهــج اللغــة العربيــة في دولــة الإمــارات وأربــع دول أخــرى هــي: الأردن والســعودية ومـصر وتونـس، وأبـرز التحديـات التـي تواجههـا، وتنطلـق مـن هـذه الميزات والتحديـات لتقـدم تصـورًا لإطار مرجعـي مقـترح لتصميـم جيـل جديـد مـن مناهـج اللغـة العربيـة يلبـي احتياجـات المتعلمين والمعلمين. وسـعيًا للإفادة من الخبرات العالمية في تطويـر المناهج فقـد اسـتعانت الدراسـة بمجموعة مـن الخبراء العالميين مـن أستـراليا، والصيـن، والولايـات المتحدة الأمريكيـة، وسـنغافورة، وجنـوب إفريقيـا، وإيرلنـدا، زوّدونا بخلاصة التجـارب التـي رافقـت جهـود تطويـر مناهـج تعليـم اللغـة الأم في بلدانهم بـما يتوافـق مـع نتائـج البحـوث العلميـة واحتياجـات المجتمعات التـي تخدمها هـذه المناهج وتطلعـاتها.

    ينعقد هذا الكتاب على سؤال مركزي رئيس: كيف يبدو واقع مناهج اللغة العربية المطبّقة في الدول العربية، وما آفاق تطويرها ومجالات "تحسينها"؟ وللإجابة عن هذا السؤال، اتخذنا إطارًا تقييميًّا بالإضافة إلى استمداد خلاصات أفضل الممارسات والمعايير العالمية في تصميم المناهج مقاييسَ وضعناها نُصب أعيننا عند قراءة مدونة كتب مناهج اللغة العربية في الدول التي شملها البحث.

    وبغيةَ الإجابة بأكبر قدر من الموضوعية على السؤال الرئيس فيها، فقد اعتمدت الدراسة قراءة استقرائية تحليلية لكتب مناهج اللغة العربية في عدد من الدول العربية. وقد أوقفتنا هذه القراءة التفصيلية على جملة من المعاينات والتشخيصات والمقترحات التي من شأنها أن تهيّئ خريطة طريق لإنتاج مناهجَ للُّغةِ تستجيب لتطلُّعات شعوب البلدان العربية وصنّاع القرار فيها في بناء مناهج تحفظ التوازن بين هوية متفاعلة إيجابيًا مع العصر ومهارات مستقبلية يفرضها الانتقال الحثيث من مجتمع المعلومات إلى عالم التكنولوجيا الفائقة الصغر، ومن العلاقات التقليدية إلى ارتباطات موسومة برهانات اقتصاد ما بعد العولمة وما ترافقه من تحولات جيوستراتيجية متسارعة.

  • الغرض من البحث
  • يحتوي الكتاب على ثمانية فصول تبدأ بفصل يعرّف مصطلح المنهاج وتطوّر المصطلح باختلاف المدارس التربوية والفلسفية بالإضافة إلى عرض الإطار التقييمي الذي اعتمدته الدراسة. تلته خمسة فصول انبرت لتحليل مناهج اللغة العربية في كل بلد من البلدان الخمسة التي اختيرت (الإمارات، الأردن، تونس، السعودية ومصر). تلاها فصل التجارب العالمية الذي شمل ست دول وهي: إيرلندا، أستراليا، جنوب إفريقيا، سنغافورة، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث فصّل الباحثون المشاركون أهم المحطات في تطوير مناهج تعليم اللغة الأم في بلادهم. واختُتم الكتابُ بفصل لخّص أهم النتائج وقدّم رؤية معاصرة لتصميم مناهج اللغة العربية. وفيما يلي أهم ما ورد في كلّ فصل من فصول هذا الكتاب:

  • العينة: نوعها وحجمها
  • اهتم الفصل الأول بتوضيح الإطار التقييمي الذي اعتمدته الدراسة في تحليل مناهج اللغة العربية في الدول العربية الخمس، موضوع الدراسة، بعد التمهيد بتعريف موجز للمقصود بالمنهاج وأهم الرؤى والاتجاهات التربوية التي عالجته تعريفًا ووجوهًا وتصميمًا. وقد عرض الفصل الأول لعدد من الدراسات السابقة التي سعت لتقييم مناهج اللغة العربية.

    وقدّم الفصل الأول للقارئ نبذة سريعة عن تطوّر مصطلح المنهاج والذي يعود في الأصل، إلى الكلمة اللاتينية Currere والتي تعني "الركض في طريق للسباقات"، ثم تحوّل هذا المصطلح مع الوقت، إلى مصطلح دراسي تدريسي، فأُطلقت كلمة المنهاج على مقررات الدراسة أو التدريب. وتطوّر مصطلح المنهاج بعد ذلك ليصبح دالًّا على مـحـتـوى المواد الدراسية والخطط الخاصة بها ومصادر التعلّم ومعايير التعلّم وأدوات التقويم. ثمّ عرض الإطار التقييمي الذي اعتمده الباحثون المشاركون في الدراسة لتحليل مناهج اللغة العربية في الدول الخمس موضوع الدراسة. وتميّز هذا الإطار بأنه قام على استقراء شامل لواقع تدريس اللغة العربية في المجتمعات العربية، واعتمد أحدث الدراسات والبحوث والأدبيات التربوية العالمية التي تناولت مناهج تعليم اللغات، واستأنس الباحثون في هذا الإطار بملاحظات الخبراء والتربويين الميدانيين، فضلًا عن النظريات البيداغوجية والديداكتيكية المعتمدة في التجارب التربوية الدولية المقارنة.

  • إجراءات تنفيذ الدراسة
  • جاء الفصل الثاني تحت عنوان قراءة تحليلية في منهاج اللغة العربية وموصولاته بدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد هَدَفَ إلى فحص الإطار العام لمعايير مناهج اللغة العربية، وما تعلق به من موصولات تعلمية وتعليمية، أي كتب التلاميذ، وأدلة المعلمين، من منظور التعليم القائم على المعايير. وكان للبحث ثلاثة مقاصد، أوّلُها استجلاء درجة وفاء الإطار المذكور لمنوال التعليم القائم على المعايير ولمفرداته واصطلاحاته، أي درجة استجابة المنجز للأنموذج، وثانيها درجة تعبير الكتب المدرسية عن روح المعايير في أسناد التعلم والأنشطة والمهمات وأدوات التقويم، وثالثها درجة وعي واضعي المنهاج ومؤلفي الكتب المدرسية بشروط المعايير وبنياتها ومؤشراتها.

    وقد استخدمت دراسة المنهاج الإماراتي سبعة افتراضات شرطية أولية، واتصلت هذه الافتراضات بأصول القرائية ومبادئها، وكيفيات استثمار المكتسبات اللغوية وتوظيفها، ونظام الوحدات التعليمية وتركيبها، وأصناف الموضوعات والمشاغل، وتضمين القيم والاتجاهات، وتعدد الأساليب التعليمية ذات الأصل البنائي، وتنوع أدوات التقويم وانسجامها. وعدّ الفريق البحثي في هذا الفصل المتون التي يبحث فيها مدونة متكاملة، مُولّدُها الإطار العام لمعايير المناهج، وتوابعها الكتب المدرسية والأدلة التعليمية، ولذا، تبنى منهجية تحليل المدونات في سياق نقدي، فاستقرأ المكونات، من منظور تجزيئي يبدأ من سند التعلم والأنشطة المرافقة له، لينتهي عند الدرس والوحدة التعليمية، ثم المجال، ضاربًا أمثلة وشواهد مما ورد في هذه الكتب. وكافح المفاهيم الواردة في الإطار العام، وأشكال الأنشطة والتعليمات في الكتب المدرسية، بما استقرّ في علم النفس التربوي، والتعلميات، واللسانيات، وأشراط القياس والتقويم، كلّما بدا ذلك ضروريًّا. واتخذ أدوات ضمنية وأخرى مباشرة عند إجراء التحليل، فأما الأدوات الضمنية فهي الوسم، والبحث عن الاطراد والتواتر، والتأول، وإصدار الأحكام. وأما الأدوات المباشرة فهي استمارات أعدها الفريق لرصد درجات استجابة الكتب المدرسية للافتراضات السبعة التي سيقت في بداية البحث. وأدى البحث بالفريق إلى نتائج أفصحت عن توفق واضعي الإطار العام لمعايير مناهج اللغة العربية ومؤلفي الكتب المدرسية في احترام أصول القرائية ومبادئها، وفي إدراج أسنادِ تعلُّمٍ تُناسب حاجات المتعلم النفسية والمعرفية والقيمية والجمالية، وعن حسن تمثلهم لفلسفة التعليم القائم على الآثار الأدبية المكتملة، وعن وعي حادّ بالتمايز الصريح بين التصورات ذات البعد المعرفي، والاتجاهات ذات البعد الوجداني القيمي، التي تضمنتها أَسْنَادُ التّعلُّم والأنشطة التعليمية. غير أن قضايا منزلة اللغة العربية، واستثمار المكتسبات اللغوية، وطريقة بناء الوحدات التعليمية، وتنويع أساليب التعلم والتعليم، وأشكال التقويم ووظائفها لا تزال في حاجة إلى مراجعة وتطوير. وختم الفريق بحثه في هذا الفصل بجملة من التوصيات شملت التخطيط اللغوي في باب الاكتساب والتعلم، ومعالجة الوحدة التعليمية من منظور بنائي منظومي، وعمليات الكتابة ومساراتها، ومراجعة الجهاز التقويمي تصورًا وأدواتٍ، بإيلاء التشخيص والتكوين عناية أكبر داخل كل وحدة تعليمية، وعند الانتقال من وحدة إلى أخرى.

  • نتائج الدراسة
  • جاء الفصل الثالث تحت عنوان "مناهج اللغة العربية في الأردن: الحاضر ورؤى المستقبل". وقد هدف هذا الفصل إلى فحص واقع مناهج اللغة العربية في الأردن بدءًا من الصف الأول الأساسي إلى نهاية المرحلة الثانوية، ثم حاول الخروج برؤية مستقبلية من شأنها أن تحسّن تلك المناهج وتجعلها أقرب إلى اهتمامات التلاميذ وحاجاتهم، وأكثر استجابة لمهارات القرن الحادي والعشرين، ولما تقتضيه الممارسات العالمية الفضلى في تعلم اللغة وتعليمها.

    وقد سعت هذه الدراسة للإجابة عن سؤالين رئيسين، هما: ما واقع مناهج اللغة في الأردن ممثلة في وثيقة المنهاج والكتب المدرسية وأدلة المعلمين؟ وما الرؤى المستقبلية التي يمكن أن تحسن ذاك الواقع؟ وللإجابة عن هذين السؤالين، عمدت الدراسة إلى منهجيتين؛ منهجية (CIPP) التي تنظر إلى المنهاج بوصفه نظامًا متسقًا يأتلف من سياق ومدخلات وعمليات ومخرجات، وخُصّصت هذه المنهجية للحكم على وثيقة المنهاج. ومنهجية النقد التربوي التي تتكون من ثلاث عمليات رئيسة: الوصف والتفسير والخروج بمغازٍ، وخُصّصت هذه المنهجية للحكم على الكتب المدرسية وأدلة المعلمين، إذ عُنيت بتقديم أوصافٍ دقيقة تشمل كل كتاب ودليل، ثم بتفسير هذه الأوصاف ووضعها في سياقها، بغيةَ الخروج بمعانٍ ومقاصد معينة.

    ولم يقتصر الأمر، عند الأخذ بهاتين المنهجيتين، على مهارات اللغة الأربع (الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة)، بل تجاوزها للحديث عن قضايا بينها موقف المناهج من التوازن الجندري، ووظيفية المعرفة اللغوية، ومهارات القرن الحادي والعشرين، والممارسات الفضلى في تعلم اللغة وتعليمها، والفروق الفردية بين التلاميذ.

    وقد تمخضت الدراسة عن جملة من النتائج أهمها أن وثيقة المنهاج تفتقر إلى كثير من العناصر التي تجعلها نظامًا متسقًا دالًّا على طبيعة المنهاج. ومع عناية كتب الصفوف الثلاثة الدنيا وأدلتها بقضايا الوعي الصوتي والطلاقة القرائية والمفردات والكتابة، إلا أن ثمة حاجة ماسّة إلى الأخذ باستراتيجيات متنوعة تخدم تعلم هذه القضايا وتعليمها، كما أن هذه الكتب حوت تحيّزات جندرية واضحة. وثمة، في كتب الصفوف الرابع والخامس والسادس، تنوُّع في البنى النصية، والتفاتٌ إلى بعض مهارات القرن الحادي والعشرين، ولا سيما مهارة الاتصال وثقافة المعلومات، بيد أنه من الضروري مراعاة مسألة الفروق الفردية بين التلاميذ، والحدّ من مسألة التحيُّز الجندري التي ظلّت ماثلة هنا كذلك.

    وقد نجحت كتب الصفوف السابع والثامن والتاسع والعاشر في بسط مهارات اللغة من خلال طريقة الوحدة، وهو أسلوب تكاملي له حسناته، كما نجحت – إلى حدٍ معقول – في جعل المعرفة اللغوية وظيفيةً على مساسٍ بحياة التلميذ، وفي الحد من التحيُّزات الجندرية في بعض المواطن. ومع هذا كله، فإنها أغفلت مسألة "النمو اللغوي المتوازن"، ولم تخصِّص "أبدالًا تدريسية" تراعي الفوارق الفردية بين التلاميذ، ولم تلتفت إلى الممارسات العالمية الفضلى إلا قليلًا. أما في كتب المرحلة الثانوية، فإنَّ الملمح الأهمَّ فيها كان غلبة البنى المفاهيمية سواء أكانت نحوية أم صرفية أم بلاغية، بقصد وضع التلاميذ على عتبات التخصص، من غير التفاتٍ إلى أهمية الانتقال – في هذه المرحلة – من حالة "الفهم المفاهيمي" إلى حالة "الفهم الجمالي".

    وفي ضوء تلك النتائج، خرجت الدراسة بجملة من التوصيات التي من شأنها أن تكون أُسسًا واضحة لبناء رؤية مستقبلية لمناهج اللغة العربية في الأردن.

    تناول الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان: "مناهج تدريس اللغة العربية في تونس: الحصيلة والآفاق"، مناهج تدريس اللغة العربية في الجمهورية التونسية بالوصف والتحليل والنقد، اعتمادًا على منهج تحليل المحتوى، وقد شمل البحث مدونة من الكتب المدرسية وأدلة المعلمين والوثائق المنهجية والنصوص التوجيهية الجاري العمل بها، والموزعة على مرحلتين: الأساسية: بشقَّيها الابتدائي (6 سنوات) والإعدادي (3 سنوات)، والثانوية (4 سنوات).

    وقد اشتمل الفصل على مباحث خمسة، عَرَضَ أوّلُها تقديمًا موجزًا لتاريخ المنظومة التربوية في تونس، ومنزلة مناهج اللغة العربية فيها على وجه مخصوص. وعالج المبحث الثاني مناهج اللغة العربية للمرحلة الابتدائية في منهج السنتين (1 و2) على ضوء ما جاء في وثيقة الكتاب الأبيض (2016)، وفي منهج السنوات (من 3 إلى 6) على ضوء إصلاحات 2002 ومشروع التدريس بالكفايات. وانتهت مقارنة الكتب المنبثقة عن مشروعي التطوير المختلفين إلى تعايشها في سياق تربوي واحد، إذ استدعت مناهج 2016 للسنتين الأولى والثانية الابتدائيتين القيم الكونية والأبعاد الثقافية الوطنية في توازن وتناغم مع استهداف صريح لإنماء المهارات الحياتية المختلفة، فضلًا عن التركيز على الهوية والبعد الوطنيين عبر النهل من أدب الأطفال والمنتج الثقافي التونسي، مما وفر أرضية خصبة لتناول موضوعات لصيقة بالواقع المعيش للطفل. إضافةً إلى الانفتاح على الثقافات العالمية، من خلال الاهتمام بالمبادئ الكونية كالتسامح وتقبل الاختلاف. وقد تُرجمت هذه المبادئ عبر إخراجٍ فنّي جميل، يراعي خصوصيات الفئة المستهدفة من جهة، ويستحضر التنوع في الجنس واللون والسن والمظهر، مع اعتماد جهاز بيداغوجي محكم البناء لاستثمار المقروء وربطه بالإنتاج الكتابي بما يخدم البناء النسقي للكفاية اللغوية.

    أمّا مناهج السنوات الأربع (3-4-5-6) فيبدو أن الحاجة أصبحت ملحة إلى تجديدها، ذلك أنها تصدر عن رؤى مضى على اعتمادها أكثر من عقدين من الزمان (تطوير 2002 القائم بدوره على تطوير 1991). فمن شأن تقادم المنهاج انفصال كثير من مضامينه عن واقع المتعلم وحاجياته، وعدم مواكبته للتطورات المتسارعة من حوله.

    ولكن في مقابل ذلك التجديد المطلوب، فإنه من الضروري المحافظة على القوة النظرية التي تميزت بها هذه المناهج، فبالرغم من تقادم النصوص ومضامينها، فإن الإطار النظري والمقاربة التعليمية المعتمدة والمسارات البيداغوجية للكتب والوثائق الموجهة للمعلّم يعدُّ ملمحًا، لذلك فالأوْلى أن يقوم التجديد بناءً على المكتسبات لا على العودة إلى النقطة الصفر.

    واهتم المبحث الثالث بتتبع مدى استجابة مناهج المرحلة الإعدادية (السنوات: 7-8-9) لمبادئ الممارسات الفضلى في مجال تعليم اللغة العربية، على مستويات الرصف والتكامل والإدماج، والمضمون، ومدى تنوع مصادر النصوص، واشتمالها على المواطنة والقيم الكونية بصفتها مدخلًا موجِّهًا للمضامين والمحتويات، ومراعاة المقاربة الجندرية.

    وخُصِّص المبحث الرابع من هذا الفصل لمناهج المرحلة الثانوية بمسلكيــــْها الأدبي والعلمي، وقد بدا بينها اختلاف كبير، نظرًا إلى ظهورها في فترات زمنية متباعدة، بالإضافة إلى توجهها لشُعَبٍ تعليمية متنوعة (الآداب – العلوم – الرياضات – التقنية – الرياضة...). وشمل التبايُن الواضح بين هذه الكتب المدرسية في هذه المرحلة جوانب العمق والتصور والتدرج والتفاوت في انتقاء بعض النصوص الأدبية، وبخاصة الشعرية منها. وبدا من الضروري الحرص على أن تعكس النصوص المدرسية الواقع الاجتماعي والثقافي للتلميذ، مع أهمية التنويع في أنماط الخطاب وإدخال نماذج من النصوص التي تنتمي إلى الأجناس غير الأدبية: كالنصوص الصحفية والسياسية والقانونية والعلمية... مع الحرص على إيلاء اللغة العربية الوظيفية قدرًا أكبر من الاهتمام.

    وجُعلَ المبحث الخامس تقويمًا عامًّا للمناهج؛ فمن عناصر قوة تلك المناهج تنوعُها من حيث التصور والبناء والاختيار، لذا أوصى الباحثون بالمحافظة على ذلك التنوع، لا أن يكون التجديد مدعاةً للتراجع عن الإيجابيات، فلعله من الأجدى تصوُّر التطوير عمليةً لولبيةً تقوم على التراكم الوظيفي والتدريج، لا على القطع والاستبدال الكلّي.

    وفي المقابل ثمة جوانب في تلك المناهج تمثّل تحدّيًا، وينبغي مراجعتها بشكل أساسي ضمن رؤية إطارية موحَّدة تنظر إلى مناهج تعليم اللغة العربية نِظرة تقوم على الترابط المنهجي والتكامل المعرفي، حتى تضمن له النجاعة والفاعلية في الوقت ذاته، وتأخذ بنصيب وافر من الممارسات الفضلى ومن التوجهات التربوية ذات المنزع الكوني التي ثبت نجاحها في تدريس اللغات.

    جاء الفصل الخامس تحت عنوان "قراءة في منهج تدريس اللغة العربية بالمملكة العربية السعودية"، وقد هدف إلى تدبّر مناهج تدريس اللغة العربية في المملكة العربية السعودية، وتبيّن علاقة تلك المناهج بسياقات تصميمها، ولاسيما رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

    وقد سعت الدراسة لرصد مدى استجابة تلك المناهج لمعايير الممارسات العالمية الفضلى في هندسة مناهج تعليم اللغات وتعلمها. وقد فحصت الدراسة مدى قدرة المنهج ووسائط تنفيذه على ضمان استدامة خبرات التعلم وتجددها مدى الحياة، وعلى مواكبة مختلف التحولات واستباق بعضها بما يجعل تعلم اللغة العربية منفتحًا على الحياة، ومتوافرًا على المعالجات التربوية المناسبة لمختلف التحديات التي يطرحها تعليم اللغة العربية وتعلمها في سياق سعودي يتطلّع فيه صانع القرار السياسي إلى الريادة إقليميًّا وعالميًّا، وإلى توفير تكوين يمكّن المتعلم من امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين.

    وقد طرحت الدراسة ثلاثة أسئلة، تشكّلت من خلالها مختلف محاورها وعناصرها، وهي:

    • ما منهج اللغة العربية الأنسب لحصول تعلمٍ للتلاميذ يتناغم ومنطقَ حدوث التعلم على نحو ما بيّنته العلوم الإدراكية والنفسية؟
    • كيف السبيل إلى ترجمة مقاصد منهج اللغة العربية وخبرات التعلم المقترحة فيه إلى حقيقة واقعة تكون المسافة الفاصلة فيها بين التعلم المقترح في المنهج والتعلم الحاصل لدى المتعلم منعدمة تمامًا أو في حكم المنعدمة؟
    • إلى أيّ مدى يستجيب منهج اللغة العربية الحالي المعتمَد في المملكة العربية السعودية، في بنيته وامتداداته التعليمية وخاصة منها الكتب المدرسية، للائحة الممارسات الفضلى العالمية المعتمدة في دول رائدة تعليميًّا؟

    وللإجابة عن هذه الأسئلة اعتمدت الدراسة رؤية منهجية تأليفية بين منهجيات تحليل المحتوى، وخاصة منها آليات القراءة البانية العكسية ومنهجيات تحليل الخطاب. وقد مكّنت هذه الاختيارات المنهجية من فحص متانة البناء المنظومي لمختلف عناصر المدونة، والتثبت من اتساق عناصر المنهج وانسجامها ووضوح منطلقاتها التعلمية والبيداغوجية وقدرتها على تنظيم خبرات التعلم؛ لتتوصل الدراسة إلى النتائج الآتية:

    • إنّ توافر ملامح وعي تربوي محمود بكل ما تتطلبه فكرة المعايير مدخلًا تصميميًّا يُعيد هيكلة تعلُّم اللغة العربية وتقويمه، لم يحُلْ دون حصول ضرب من الانحراف المنهجي عند تصوّر المعايير وتصنيفها إلى معاييرَ للمحتوى وأخرى للأداء تصنيفًا جعل الأولى متعدّدة متغيرة، فيما انقلبت الثانية أهدافًا.
    • التردّد الجليّ بين اعتماد مقاربة لسانية تواصلية حديثة تُركّز في تنمية مهارات المتعلم في استعمال اللغة تلقّيًا وإنتاجًا، وترى في علوم اللغة مواردَ تبني مهارات التواصل وتصقلها، ومقاربة تقليدية عالِمة ترى في "علوم العربية" المدخل التعليمي الأوحد لتعلم اللغة العربية.
    • تأثّر منظومة الكتب المدرسية بالتردّد الملحوظ بين المقاربتين التواصلية من جهة، والتقليدية العالِمة من جهة أخرى، سواء في تصوّر خبرات التعلم ورصفها أو في الأساليب البيداغوجية المقترحة لتعليمها وتعلمها، وقد حضر فيها التلقين خاصة عند استعراض قواعد الكلام ومقتضيات سلامة اللسان.
    • توافر إشارات لسانية ذكية في وثيقة المنهج قد يقود اعتمادها - في حال مراجعة الكتب المدرسية - إلى استثمار تعليمي مُحكَم لبيئة المتعلم الاجتماعية والثقافية بوصفها سَنَدَ تعلُّمٍ وامتدادًا وظيفيًّا لما يُبتنى من خبرات تواصلية في دروس اللغة العربية، وإلى تنويع في المسموعات والمقروءات والمرئيات أنواعًا وأنماطًا وأجناسًا، وإلى تكثيف حضورها في دروس اللغة العربية تكثيفًا يضمن جودة بناء الكفاءة القرائية.
    • حاجة كتب مرحلة التركيز إلى مراجعة تصوّر مفهوم الوحدة التعليمية فيها مدخلًا تصميميًّا لتنظيم خبرات تعلّم اللغة العربية وتيسير تملُّكها.
    • حاجة مختلف الكتب إلى تكثيف حضور الأدب وسيطًا تعليميًّا تتكاثف به فرصُ القراءةِ مفتاحِ التعلُّم وفرصُ الكتابة والتحدّث تكاثُفًا نراه السبيل الأيسر والأمثل لإتقان التكلّم بلسان عربي مبين.

    استهدف الفصل السادس قراءة مناهج اللغة العربية لمرحلة التعليم العام بجمهورية مصر العربية، مرتكزًا على محورين: أحدهما إجراء وصف دقيق لعناصر تلك المناهج، والآخر تحليلها وفق أداة استرشادية تستوعب الممارسات العالمية الفضلى في ذلك المضمار، مع ملاحظة مدى إدماج تلك المناهج لمهارات القرن الحادي والعشرين التي نصت عليها رؤية مصر 2030، والتي بدأت وزارة التربية والتعليم المصرية تفعيلها في المرحلة الابتدائية منذ عام 2018.ولتحقيق هذا الهدف عمل الفصل على الإجابة عن السؤال الرئيس الآتي:

    كيف يمكن تقويم مناهج اللغة العربية المصرية في ضوء مهارات القرن الحادي والعشرين والأسس النظرية والممارسات الفضلى المتبعة في تصميم مناهج تدريس اللغات وتطبيقها؟

    وللإجابة على هذا السؤال اتبعت الدراسة منهج التحليل الكمي، وقد صُمّمت له أداةٌ للتحليل، ثم انطُلق منه إلى المستوى الكيفي (التفسيري) في ضوء مجالات الأداة المقترحة، وقد جاء التحليل فيها في ضوء سبعة مجالات هي: مدى وضوح وثيقة المنهج، ومجال الممارسات الفضلى ومهارات القرن الحادي والعشرين، ومجال المحتوى، ومجال اللغة ومستوياتها ومهاراتها، ومجال استراتيجيات التدريس والأنشطة، ومجال وسائل التعلم، ومجال التقييم والتقويم. وقد وُضعت مجموعة من المؤشرات الفرعية لكل مجال على حدة، وعُرض التحليل الكمي في ملاحق الدراسة، وعُرضت النتائج والتفسيرات الكيفية بالأدلة فى الإجابة عن أسئلة الدراسة المطروحة.

    وقد اتبعت الدراسة الإجراءات الآتية:

    • دراسة المعايير العالمية لبناء مناهج تعلم اللغة.
    • دراسة طبيعة المناهج المصرية لتعليم اللغة العربية، في كلّ من المنظومة الجديدة (من الصف الأول حتى الصف الرابع)، والمناهج القديمة للمرحلتين الإعدادية والثانوية.
    • تحديد المجالات الرئيسة وتحديد المؤشرات الخاصة بكل مجال على حدة.
    • بناء قائمة مبدئية تتضمن مجالات أداة التحليل ومؤشراتها.
    • التأكد من صدق الأداة من خلال عرضها على مجموعة من الخبراء والمتخصصين في كلية التربية في جامعة المنيا.
    • تحليل ثمانية كتب للغة العربية لصفوف المرحلة الابتدائية؛ الصفوف الأولى المطورة (من الأول حتى الرابع)، وتسعة كتب للغة العربية في المرحلة الإعدادية، وثمانية كتب للغة العربية لصفوف المرحلة الثانوية باستخدام الأداة التى صُمِّمت لهذا الغرض، وإعداد أداة نهائية لتحليل الوثائق الكتب عدد من الكتب الدراسية للعام الدراسي (2021/2022).

    وقد توصّل الباحثون إلى جملة من النتائج والتوصيات، من أبرزها:

    • وُفقت المنظومة الجديدة في اعتمادها على بنـاء القـدرات المعرفيـة والمهـارات الحياتيـة وترسيخ الهوية المصريـة، وفي اتساقها مع المعاييـر العالميـة فـي بنـاء قـدرات المتعلمين اللغوية والمهارية، لكن عملية تطوير المناهج عملية ممتـدة، وضمان الاستمرارية يتطلب إتاحة الوثائق الخاصة بالمناهج على موقع وزارة التربية والتعليم.
    • من الضروري أن تتضمن الوثيقة مصفوفة المدى والتتابع لكل المراحل.
    • تناولت مناهج المنظومة الجديدة للصفوف الأولى المطورة عددًا من الموضوعات الحديثة التي تعكس التفاعل الإيجابي مع القيم الكونية، فيما تعثرت المناهج الإعدادية والثانوية في تعزيز الكثير من تلك القيم.
    • ينبغي ربط ما تم إنجازه في بنك المعرفة والخدمات الإلكترونية المختلفة ودمجه في أنشطة المحتوى.
    • يُوصَى باستخدام مدخل النصوص المتكاملة في تدريس علوم اللغة (النحو والصرف والبلاغة) في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
    • يُوصَى بتوجيه العناية إلى تقديم المفردات بطريقة ممنهجة منظمة تراعي خصائص المعجم الذهني للتلاميذ وكيفية إغنائه بما يوافق احتياجاته التواصلية والحياتية.
  • الإفادة التي يقدمها البحث للمعلم العربي في مجال تعليم مهارات القراءة والكتابة
  • يعرض الفصل السابع من الكتاب لعدد من التجارب العالمية في تطوير مناهج تعليم اللغة الأم، ويهدف إلى تعريف القراء بالمناهج التي ارتبطت بها هذه التجارب، والاعتبارات النظرية والعملية التي ارتكزت إليها جهود التطوير، والمقاربات التي توسّلتها، والتحديات التي واجهتها. ويطمح الفصل، عبر طرح هذه التجارب، إلى الإسهام في تكوين فهم أعمق وأشمل لدى المعلمين، والمعنيين بشؤون المنهاج، وصُنّاع القرار في العالم العربي، للأبعاد الثقافية والاجتماعية والبيداغوجية التي تتشابك معها عمليات تخطيط المنهاج وهندسته وتنفيذه على أرض الواقع بشكل يتيح له أن يكون مرآة تعكس هذه الأبعاد، وفضاء تتحقق فيه تطلعات المعلمين واحتياجات المتعلمين. مثلما يطمح أيضًا إلى توفير رؤية منهاجية مقارنة تتجاوز حدود العالم العربي وتُغني خبراتنا في مجال تطوير المناهج في مرحلة نقف فيها على أعتاب تأسيس جيل جديد من مناهج العربية متناعم مع توجهات العصر ومحتضن لتطلعات الأجيال الجديدة من متعلمات العربية ومتعلميها.

    ويتضمن الفصل عرضًا لست تجارب في تطوير مناهج اللغة من أستراليا، والصين، وسنغافورة، وجنوب إفريقيا، وأيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية قدمه عدد من الأساتذة والخبراء المختصين بشؤون التربية والمناهج في هذه الدول. وقد وقع اختيارنا على هذه الدول بالنظر إلى ما تعكسه من تنوع جغرافي يمتد على مدى خمس قارات في العالم، وما تمثله من تنوع إثني واجتماعي واقتصادي. ويندرج في مسوغات اختيارنا كذلك ما حققته بعض هذه الدول (الصين وسنغافورة وأيرلندا) من نتائج متميزة في اختبارات القراءة الدولية مثل بيزا (PISA) و بيرلز (PIRLS)، وما توفره لنا دول أخرى (جنوب إفريقيا وأيرلندا) من نماذج لكيفية مقاربة المنهاج لقضايا الهوية والتعدد الإثني واللغوي، وهي قضايا وثيقة الصلة ببعض دول العالم العربي ومجتمعاته، أو لكيفية اعتماد مقاربات لا مركزية لتطوير المناهج تمنح السلطات المحلية والإقليمية هامشًا من الحرية والمرونة يتيح لها صياغة مناهج تعبر عن رؤاها الثقافية وتوجهاتها التربوية الخاصة إضافة إلى التوجهات التي يتم تبنيها على المستوى الوطني العام بشكل يجسد مفهوم الوحدة ضمن التنوع.

    وعلى الرغم من اختلاف التجارب والرؤى التي تطرحها المقالات الست في هذا الفصل، فإن ثمة خيطًا واضحًا ينتظمها جميعًا وهو التركيز على ضرورة تفعيل دور المعلمين في صياغة التصورات الجديدة للمناهج وتخطيطها وتطبيقها وذلك عبر تمكينهم، من خلال التدريب والتطوير المهني المستمر، ومن خلال إشراكهم بشكل فاعل في صناعة القرارات المتصلة بالمناهج بحيث لا تجيء هذه القرارات معبرة عن رؤية القيادة السياسية والتربوية فحسب ولكن معبرة أيضًا عن رؤية القاعدة التي يمثّلها المعلمون وتلاميذهم.

    ينطلق الفصل الأخير من الكتاب من الملاحظات التي تم إبداؤها في الفصول السابقة والاستنتاجات التي خلصت إليها، لاقتراح إطار توجيهي لتطوير مناهج اللغة العربية والتأسيس لجيل جديد من المناهج أكثر اتصالًا بحياة التلاميذ، وتلبيةً لاحتياجاتهم، وتعبيرًا عن همومهم، وأكثر تناغمًا مع الممارسات العالمية الفضلى في بناء مناهج اللغات. وقد أجمعت كل الفصول السابقة في هذا الكتاب، بما في ذلك الفصل الذي تناول التجارب العالمية، على أن المناهج بشكل عام، ومناهج اللغات بشكل خاص، تمثل ظاهرة قوامها التحوّل لا الثبات، ودأبها السعي المستمر للإحاطة بالمتغيرات التي تمس بيئة التعليم والعالم الأوسع المحيط بها واستيعابها والتفاعل معها إيجابيًّا، عبر ترجمتها إلى فلسفات وأطر منهجية نظرية، وممارسات عملية، تنعكس في الكتب المدرسية وأدلة المعلمين وطرائق التدريس والأنشطة الصفية وأساليب التقويم والاختبار. والمأمول هو أن تمثل الدراسة الحالية إسهامًا متواضعًا في دعم هذا التحول الإيجابي والمستمر في المناهج، وتكون محفزًا لمزيد من التأمل والمراجعة للمناهج الحالية من خلال مجموعة من التوجهات المستقبلية التي نوجز عرضها أدناه، والتي نطمح إلى أن تؤسس لبناء جيل جديد من مناهج اللغة العربية في البلدان العربية، مع حرصنا على التأكيد أن هذه التوجهات إنما ترسم إطارًا عامًا نراه ينتظم مناهج المستقبل، وأن هناك خصوصيات محلية مجتمعية وثقافية ينبغي على مصممي المناهج في كل دولة مراعاتها ضمن سياقاتها المحلية.

  • التوثيق
  • Taha, H. & AlBatal, M. (2023). Arabic language curricula in the Arab World: Present practices and future prospects, Abu Dhabi Arabic Language Center, Abu Dhabi, United Arab Emirates. ISBN: 978-9948-803-25-6