تُسجِّل الأدبيات فجواتٍ معتبرة في قاعدة الأدلة المتعلِّقة بمدى إسهام برامج العمل التطوّعي في تعزيز رفاهية المتطوّعين الأفراد، وتمكينهم، ورضاهم عن الحياة. كما أنّ آثار هذه البرامج نادرًا ما تُخضع لتقييمات صارمة المنهجية، في حين تبقى دلالات المفاهيم المستعملة غير محدَّدة بجلاء، لاسيما في السياق الشرق أوسطي. تهدف هذه الدراسة إلى اختبار آثار برنامج نحن نحبّ القراءة، وهو برنامج يُعنى بتدريب المتطوعين على القراءة الجهرية في محيطهم الاجتماعي، فضلًا عن رصد أنماط تمثيل المعرفة المحلية.
اعتمد الباحثون في التقييم منهجيةً مركّبة قوامها تجربة عنقودية عشوائية شملت 105 لاجئات سوريات من أسر محدودة الدخل في عمّان، الأردن. وفي ثلاث لحظات زمنية (خط الأساس، والمتابعة بعد خمسة أشهر، والمتابعة بعد اثني عشر شهرًا)، جرى تطبيق استبيان يقيس مستويات الرضا عن الحياة (مقياس كانترِل)، والتمكين النفسي (PE)، والرفاهية النفسية (PWB) . استُخدمت نماذج الانحدار على بيانات لوحية لتقدير الآثار على مستوى الفرد، مع ضبط الخصائص الفردية للنساء، واستحضار الدور المعدِّل لشبكاتهن الاجتماعية. كما نُفِّذت جلسات net-mapping بغية توضيح المفاهيم المحلية وروابطها السببية، وأُنتجت تحليلات موضوعاتية وخرائط معرفية إدراكية ضبابية (FCMs) لتمثيل المعرفة المحلية وأنماط التأثير السببي.
وقد بيَّنت النتائج أنّ الرضا عن الحياة هو المتغيّر الوحيد الذي أظهر أثرًا ذا دلالة إحصائية لبرنامج نحن نحبّ القراءة (كانترِل، β = 3.00، p = 0.002). وكشفت التحليلات الموضوعاتية والخرائط الإدراكية الضبابية عن الطابع المتعدّد الأبعاد للتجارب المعيشة؛ حيث برز التشديد على بلوغ الأهداف، وامتلاك "الحق الكامل في التصرّف"، والحرية في اتخاذ القرار، مقرونًا بالإرادة والعزيمة. وقد بيّنت النساء أنّ بناء التمكين والفاعلية كان المحرّك الرئيس لرضاهنّ عن الحياة، وأنّ تجربة التطوع عمّقت فيهنّ عزيمة "عدم التخلّي" عن أهدافهنّ الحياتية.
توفّر هذه الدراسة تقييمًا يزاوج بين صرامة المنهجية العلمية واعتبارات الملاءمة الثقافية، بغية تحديد الآثار، ورصد أنظمة المعرفة المحلية، واستجلاء المسارات السببية للتأثير. ومن شأن ذلك أن يوضّح الكيفية التي يعمل بها التطوّع في سياقات واقعية متباينة ثقافيًا، وأن يوجّه الانتباه إلى ما تروم البرامج تحقيقه، وإلى السبل الكفيلة بتفادي إنهاك المتطوعين، وبيان كيف ولماذا تُفضي هذه البرامج إلى إحداث تحوّلات اجتماعية.