ترجمة البحث العلمي

العودة الى ترجمة البحث العلمي
آثار تدخل قائم على القراءة في معالجة الانفعالات لدى الأطفال الذين عانوا من الشدائد المبكرة والصدمات المرتبطة بالحروب
  • وصف عام للبحث
  • يمكن أن تترك الشدائد المبكرة والصدمات أثرًا عميقًا في النمو الوجداني للأطفال وفي نتائجهم المرتبطة بالصحة النفسية. وتُعدّ التدخلات الداعمة للصحة النفسية وللتطور الاجتماعي-الانفعالي ضرورية للتقليل من حدة هذه الآثار. وفي هذا السياق أجرينا دراسة استكشافية أولية لاختبار ما إذا كان برنامج قائم على القراءة (نحن نحب القراءة – We Love Reading) يسهم في تحسين تمييز الانفعالات وتعزيز الصحة النفسية من خلال التفاعل الاجتماعي، وذلك لدى عينة من الأطفال السوريين اللاجئين (عددهم = 49) والأطفال الأردنيين غير اللاجئين (عددهم = 45) ممن تتراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة (المتوسط = 8.9 سنوات، 57% منهم إناث)، والمقيمين في الأردن.

    ولغرض قياس تمييز الانفعالات، طُلب من الأطفال تصنيف تعابير وجوه مركّبة بين انفعالين (سعيد–حزين، وخوف–غضب). أما الصحة النفسية فقد جرى تقييمها عبر مقاييس استبيانية شملت التفاؤل والاكتئاب والقلق والضيق والشعور بعدم الأمان.

    وقبل التدخل، تبيّن أنّ كلتا المجموعتين من الأطفال كانتا منحازتَين على نحو ملحوظ إلى تفسير التعابير الوجهية الغامضة بوصفها حزينة، بينما لم يظهر انحياز واضح على متصل (الخوف–الغضب). وبعد التدخل، لاحظ الباحثون حدوث تغيّر في انحياز الأطفال السوريين اللاجئين في تمييز الانفعالات بعيدًا عن الوجوه الحزينة، غير أنّ هذا الأثر تلاشى وعاد إلى مستواه السابق بعد مرور شهرين على انتهاء البرنامج. ويُشار إلى أنّ هذا التحوّل في الانحياز بعيدًا عن التعابير الحزينة لم يقترن بتغيّرات موازية في الأعراض النفسية المبلّغ عنها ذاتيًا.

    وتُشير هذه النتائج إلى إمكان أن يكون للتدخل القرائي دور إيجابي في النمو الوجداني للأطفال، غير أنّ الأمر يستلزم إجراء مزيد من البحوث لتحديد الأثر بعيد المدى لهذا البرنامج.

  • الغرض من البحث
  • سعى الباحثون في هذه الدراسة إلى اختبار إذا ما كان التدخل القائم على القراءة (برنامج "نحن نحب القراءة") يمكن أن يعود بالفائدة على الأطفال المعرّضين لمستويات مرتفعة من الشدائد (مثل: الأطفال اللاجئين) أو مستويات أقل منها (مثل: الأطفال غير اللاجئين)، وذلك من خلال تنمية المعرفة الانفعالية والمفردات وكذلك تعزيز التعاطف. ولتحقيق ذلك، اعتمد الباحثون على استبيانات للصحة النفسية تم التحقق من صلاحيتها محليًا، إضافة إلى مهام حاسوبية لتمييز الانفعالات بهدف قياس حساسية الأطفال تجاه التعابير الوجهية المختلفة.

    وقد سعى الباحثون للإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسة:

    • هل تتأثر معالجة الانفعالات لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب والتهجير؟
    • هل يُسهم التدخل منخفض التكلفة القائم على القراءة، والمسمى "نحن نحب القراءة" (WLR)، في تحسين نتائج تمييز الانفعالات أو مقاييس الصحة النفسية لدى الأطفال اللاجئين وغير اللاجئين المقيمين في عمّان؟
    • ما العلاقة بين تمييز الانفعالات لدى الأطفال ونتائج الاستبيانات الخاصة بالصحة النفسية؟

    ويُعدُّ برنامج "نحن نحب القراءة" مبادرة قرائية تقدمها منظمة أردنية غير حكومية (مؤسسة تغيير) استجابةً لاحتياجات حدّدها المجتمع المحلي، إذ تقوم على تدريب متطوعين محلّيين لتقديم برنامج سرد قصصي للأطفال (من 4 إلى 12 عامًا) من خلال جلسات أسبوعية. ويشجع البرنامج النساء على القراءة لمدة شهرين؛ إلا أنّه – نظرًا للقيود المدرسية وتزامن شهر رمضان – فقد تم إعداد التدخل من قبل المنظمة ليُنفذ في فترة أقصر (5 أسابيع) بغرض اختبار آثاره. ويُعدّ برنامج "نحن نحب القراءة" WLR تدخلًا مجتمعيًا قابلًا للتوسع يمكن تنفيذه في المدارس والمنازل والمراكز المجتمعية.

    قبل المشاركة في البرنامج، افترضنا أن تكون الكفاءة الانفعالية للأطفال اللاجئين السوريين متأثرة، بحيث يُظهرون انحيازًا أكبر نحو إدراك التعابير الوجهية الحزينة أو المرتبطة بالتهديد، مقارنة بأقرانهم الأردنيين غير اللاجئين. كما توقع الباحثون أن تكون الصحة النفسية لدى الأطفال السوريين اللاجئين أقل جودة من نظرائهم غير اللاجئين، وأن يرتبط تراجع الصحة النفسية باضطرابات في تمييز الانفعالات.

    وبعد التدخل ببرنامج "نحن نحب القراءة"، افترض الباحثون أن تتحسن مؤشرات الصحة النفسية والرفاه وتمييز الانفعالات لدى الأطفال من خلال التنشئة الانفعالية، مع توقع أن يكون هذا التحسن أوضح لدى الأطفال اللاجئين السوريين مقارنة بالأطفال الأردنيين غير اللاجئين.

  • العينة: نوعها وحجمها
  • المشاركون (n = 94) كانوا من الأطفال السوريين اللاجئين (n = 49، منهم 30 فتاة) والأطفال الأردنيين غير اللاجئين (n = 45، منهم 24 فتاة)، وتتراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة (المتوسط = 8.9، الانحراف المعياري = 1.3)، ويقيمون في عمّان بالأردن. وقد تم إجراء الاختبارات على مدى خمسة أشهر خلال سنة 2019.

    تم توزيع 27 طفلًا لاجئًا سوريًا و25 طفلًا أردنيًا غير لاجئ في المجموعة التجريبية التي شاركت في جلسات القراءة لبرنامج نحن نحب القراءة (WLR)، بينما خُصص 22 طفلًا سوريًا لاجئًا و20 طفلًا أردنيًا غير لاجئ في المجموعة الضابطة.

    بالنسبة إلى الأطفال الأردنيين غير اللاجئين، جرت جلسات القراءة والاختبارات داخل المدارس؛ حيث خُصص تلاميذ مدرسة البُنية (في حيّ صَحَاب) للمجموعة التجريبية، بينما شكّل تلاميذ مدرسة الشقائق النعمان (في حيّ الهاشمي الشمالي) المجموعة الضابطة.

    أما بالنسبة إلى الأطفال السوريين اللاجئين، فقد أُجريت جلسات القراءة والاختبارات داخل المنازل، إذ استُهدف حي صويلح لتنفيذ التدخل، بينما استُخدم حي الهاشمي الشمالي لتجنيد الأطفال في المجموعة الضابطة، حيث جرت الاختبارات في مركز مجتمعي (أوائل الخير).

    ولم يشارك أفراد المجموعة الضابطة في أي من جلسات القراءة التي يقدّمها برنامج "نحن نحب القراءة" (WLR، بل استمروا في متابعة أنشطتهم المدرسية واللاصفية على نحو طبيعي. وقد أُجريت جميع الاختبارات باللغة العربية، وكان معيار الاستبعاد الوحيد للأطفال من المشاركة في البحث هو العمر (إذ لم يُسمح بمشاركة الأطفال دون سن السابعة أو فوق الثانية عشرة).

  • إجراءات تنفيذ الدراسة
  • تم تنفيذ برنامج "نحن نحب القراءة" (WLR) وإجراء الاختبارات في أماكن مختلفة بسبب القيود المرتبطة باختبار اللاجئين في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث لا يمكن التحكم حتميًا في جميع الجوانب. فقد شارك الأطفال الأردنيون غير اللاجئين في جلسات البرنامج داخل المدارس، بينما شارك الأطفال السوريون اللاجئون في الجلسات داخل المنازل أو في المراكز المجتمعية. ويعود ذلك إلى أن المدارس في الأردن تعمل بنظام الفترتين (الأطفال الأردنيون في الفترة الصباحية، والأطفال السوريون في الفترة المسائية)، في حين أن معظم الأطفال والنساء فضّلوا أن تُجرى أنشطة البرنامج (الجلسات والاختبارات) في الفترة الصباحية.

    وعلى الرغم من اختلاف أماكن التنفيذ، فإن الأطفال كانوا متكافئين بشكل جيد عند بداية التدخل؛ إذ تم اختيارهم جميعًا من أحياء تضم أعدادًا كبيرة من اللاجئين، ولم يظهر بينهم أي تباين في مقاييس الصحة النفسية (باستثناء ما هو متوقع من فروق في الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة)، كما لم تختلف نتائجهم في مهام الانفعال في مرحلة القياس القبلي.

  • نتائج الدراسة
  • أظهرت هذه الدراسة حول أثر التدخل القرائي نحن نحب القراءة (We Love Reading) في معالجة الانفعالات لدى الأطفال:

    الانحياز في تمييز الانفعالات قبل التدخل:

    فقد أظهر كل من الأطفال اللاجئين السوريين والأطفال الأردنيين غير اللاجئين انحيازًا واضحًا نحو تفسير التعابير الوجهية الغامضة بوصفها حزينة. ولم يظهر أي انحياز واضح على متصل (الخوف–الغضب).

    تأثير التدخل على الأطفال اللاجئين السوريين:

    فبعد المشاركة في برنامج نحن نحب القراءة، حدث تغير إيجابي في تمييز الانفعالات لدى الأطفال اللاجئين السوريين، حيث قلّ انحيازهم نحو إدراك الوجوه على أنها حزينة. غير أن هذا الأثر لم يستمر طويلًا، إذ عاد الأطفال إلى مستوياتهم السابقة بعد شهرين من انتهاء البرنامج.

    الصحة النفسية المبلّغ عنها ذاتيًا:

    إذ لم يُسجل البرنامج تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات الصحة النفسية الذاتية (مثل القلق، الاكتئاب، الضيق، انعدام الأمان)؛ بمعنى أن التغير في تمييز الانفعالات لم يكن مرتبطًا بتغيرات موازية في الأعراض النفسية.

    مقارنة بين اللاجئين وغير اللاجئين:

    فقد كان الأطفال اللاجئون السوريون أكثر عرضة للانحياز نحو الوجوه الحزينة مقارنة بغير اللاجئين الأردنيين. ومع ذلك، لم تُسجَّل فروق مهمة بين المجموعتين في النتائج المتعلقة بمهمات الانفعالات بخلاف ذلك.

    الدلالة العامّة للنتائج:

    تشير النتائج إلى أن للتدخّل القرائي نحن نحب القراءة إمكانات إيجابية في دعم النمو الوجداني للأطفال، خصوصًا لدى الفئات المتأثرة بالشدائد المبكرة والصدمات. لكن ثمة حاجة إلى مزيد من الدراسات الطولية لفحص الأثر بعيد المدى للبرنامج وربطه بالصحة النفسية على نحو أوضح.

  • الإفادة التي يقدمها البحث للمعلم العربي في مجال تعليم مهارات القراءة والكتابة
  • لئن كان هذا البحث في جوهره كان نفسيًا-تنمويًا، فإن له إفادات مباشرة للمعلم العربي في مجال تعليم مهارات القراءة والكتابة، خصوصًا عند التعامل مع الأطفال في بيئات صعبة أو متأثرة بالشدائد. يمكن تلخيص الإفادات في النقاط التالية:

    • القراءة أداة للتنشئة الوجدانية: إذ تُبرز الدراسة أن القراءة الجهرية والقصصية لا تُنمّي اللغة فقط، بل تُسهم في تنمية مهارات التعرّف على الانفعالات وفهم الذات والآخر. وهذا يفتح أمام المعلم المجال لتوظيف القراءة كوسيلة ليس فقط للتعلّم اللغوي، بل أيضًا لتعزيز الذكاء العاطفي والاجتماعي لدى المتعلمين.
    • تعليم القراءة في سياق حياتي تفاعلي: إذ اعتمد البرنامج على قصص مرتبطة بواقع الأطفال (اللاجئين وغير اللاجئين)، مما يبيّن أن اختيار النصوص القريبة من تجارب المتعلمين يزيد من تفاعلهم، ويجعل القراءة نشاطًا ذا معنى يسهم في بناء الهوية والاندماج.
    • دمج التعاطف مع مهارات الفهم القرائي: فقد أظهر البحث أن القراءة المشتركة تساعد الأطفال على تنمية التعاطف وفهم الانفعالات، وهي مهارة يمكن للمعلم العربي أن يوظفها عبر النقاشات الصفّية حول شخصيات القصص، وربطها بمشاعر التلاميذ وتجاربهم.
    • القراءة كوسيلة وقائية وداعمة للصحة النفسية: النتائج تشير إلى أن القراءة المنظمة يمكن أن تكون تدخلاً تربويًا وقائيًا يساعد في التخفيف من الضغوط النفسية لدى الأطفال، وهو أمر بالغ الأهمية في السياقات العربية حيث يعيش كثير من التلاميذ ظروفًا ضاغطة (فقر، نزوح، صراعات).
    • إعادة النظر في دور المعلم: إذ تُبرز الدراسة أهمية أن يكون المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة اللغوية، بل أيضًا مُيسّرًا للتنشئة الوجدانية من خلال القراءة والكتابة، ما يعزز العلاقة بين البعد الأكاديمي والبعد الإنساني في العملية التعليمية.
    • تعزيز برامج القراءة الممتدة خارج الصف: فقد اعتمدت التجربة على المجتمع (المنازل، المراكز المجتمعية، المدارس)، ما يؤكد للمعلم العربي أهمية مدّ القراءة إلى ما وراء الصف الدراسي، وربطها بالأسرة والمجتمع المحلي لتصبح ممارسة ثقافية مستمرة.

    هذا البحث يُعطي المعلم العربي رسالة واضحة: أن مهارات القراءة والكتابة ليست مجرد تدريب لغوي، بل هي مدخل أساسي لتنشئة وجدانية ومعرفية متكاملة، وأن المعلم يستطيع من خلال اختيار النصوص، وطريقة قراءتها، وإدارة النقاش حولها أن يسهم في بناء شخصية متوازنة، قادرة على فهم الذات والآخر، ومؤهلة للتكيف النفسي والاجتماعي.

  • التوثيق
  • Michalek JE, Lisi M, Awad D, Hadfield K, Mareschal I and Dajani R (2021) The Effects of a Reading-Based Intervention on Emotion Processing in Children Who Have Suffered Early Adversity and War Related Trauma. Front. Psychol. 12:613754. doi: 10.3389/fpsyg.2021.613754