من خلال تحليل البيانات من 56 دولة وإجراء تحليل نوعي لحالتي سنغافورة وبوروندي، تحدد هذه الدراسة ارتباطًا قويًا بين فقر التعلم والتفاوت اللغوي، إذ تُظهر علاقة إيجابية واضحة بين تدني معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة على المستوى الوطني وارتفاع عدم التطابق بين لغة المنزل للطلاب ولغة التدريس في المدرسة. والأهم من ذلك، تكشف هذه الدراسة المقارنة أن هذا الارتباط يكون أكثر وضوحًا في البلدان متوسطة الدخل، مما يبرز الحاجة إلى مراعاة السياقات المحلية بعناية. وتدعو النتائج إلى إعطاء أولوية للبحث والسياسات المتعلقة بلغة التدريس والتفاوت اللغوي عالميًا، بهدف تحقيق التعليم الأساسي للجميع.
- وصف عام للبحث
-
- الغرض من البحث
-
تسهم هذه الدراسة في الأدبيات القائمة حول لغة التدريس (LOI) من الناحية المنهجية، من خلال تقديم تحليل مقارن واسع يشمل 56 دولة تمتد عبر ست قارات، وهو – وفق معرفتي – أكبر مقارنة تجريبية في هذا المجال حتى الآن. كما تفحص الدراسة مستويات دخل الدول باعتبارها عاملاً محتملاً يؤثر في العلاقة بين فقر التعلم (LPV) والتفاوت في نتائج القرائية (RLD) . علاوة على ذلك، تستفيد هذه الدراسة من مجموعات بيانات حديثة، حيث تعتمد على بيانات صدرت حديثًا اعتبارًا من عام 2019 بالنسبة لفقر التعلم، وما بعد عام 2017 بالنسبة إلى التفاوت في نتائج القرائية.
تعتمد بيانات التفاوت في نتائج القرائية على إجابات الطلاب الأفراد حول لغة التدريس، مما يعكس بشكل أفضل التنوع اللغوي داخل الفصول الدراسية مقارنةً بمقاييس مثل عدد اللغات في كل دولة أو منطقة. ومن خلال هذا المنظور التفصيلي، تشمل الدراسة دولًا ذات تنوع لغوي كبير (مثل كندا وإندونيسيا)، حيث تُجرى عادةً دراسات حول لغة التدريس، إلى جانب دول ذات تنوع لغوي أقل (مثل اليابان وبولندا).
وأخيرًا، يُستكمل التصميم الكمي لهذه الدراسة بتحليل نوعي للحالات الشاذة في البيانات من خلال دراسة حالتين بارزتين: بوروندي وسنغافورة. ففي بوروندي، لا يمتلك معظم الأطفال مهارات القراءة والكتابة الأساسية على الرغم من أن لغة التدريس هي لغتهم الأم، بينما في سنغافورة يحدث العكس تمامًا. يساعد تحليل هاتين الحالتين على تعزيز نتائج الدراسة، وتعميق فهمنا للعلاقة قيد البحث داخل هذه السياقات وخارجها، وإلقاء الضوء على تعقيدات جمع بيانات لغة التدريس.
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة البحثية التالية: هل تؤثر لغة التدريس (LOI) في التعليم الابتدائي بشكل منهجي على نتائج إلمام الطلاب بالقراءة والكتابة الأساسية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما السبب؟ بالإضافة إلى ذلك، في حال تم تحديد هذا التأثير، فهل يتم التوسط فيه بشكل منهجي بمستويات دخل الدول، أم أنه يختلف عبر مستويات الدخل، ولماذا؟
لمعالجة هذه الأسئلة، أعتمد على أربع مجموعات بيانات، مما يوفر عينة مكونة من 56 دولة تتوفر لديها بيانات كاملة عن أربعة متغيرات: فقر التعلم (LPV)، التفاوت في نتائج القرائية (RLD)، نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (GNI per capita)، ومستوى دخل الدولة.
- العينة: نوعها وحجمها
-
ملامح العينة
تتضمن العينة النهائية:
- 35 دولة مرتفعة الدخل
- 14 دولة متوسطة الدخل
- 7 دول منخفضة الدخل (تشمل هونغ كونغ كإقليم مستقل إداريًا)
يُظهر توزيع نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي نمطًا متعدد الأوضاع، بمتوسط 18,800 دولار. أما فقر التعلم (LPV) فيبلغ متوسطه 27%، والوسيط 9%، ويتراوح بين 4–37%، مما يشير إلى انخفاض معدلات فقر التعلم في الدول متوسطة الدخل. أعلى عشر دول في معدلات فقر التعلم تقع جميعها في أفريقيا.
أما عدم التوافق اللغوي (RLD)، فيتبع توزيعًا ثنائي القمة، حيث تصل إحدى الذروات إلى 99% والأخرى إلى 15%، مع نطاق ربع سنوي بين 12–46% . يوجد طلاب يواجهون عدم التوافق اللغوي في جميع مجموعات الدخل:
- في بعض الدول المرتفعة والمتوسطة الدخل مثل تشيلي، النرويج، وإيطاليا، تتراوح النسبة بين 10–16%.
- دول أخرى ذات نسب عالية تشمل كندا، إيران، سنغافورة، والعديد من دول الخليج العربي.
- في بعض الدول متوسطة الدخل مثل إندونيسيا (56%) والمغرب (53%)، تكون الظاهرة أكثر وضوحًا.
وأخيرًا، في العديد من الدول منخفضة الدخل، تكون لغة التدريس هي لغة المستعمر التاريخي، مثل الفرنسية في بوركينا فاسو والنيجر، والإنجليزية في الكاميرون، مما يعني أن معظم الطلاب لا يتلقون تعليمهم بلغتهم الأم.
- إجراءات تنفيذ الدراسة
-
فقر التعلم (LPV) هو مؤشر أساسي للقرائية يحدد نسبة الأطفال في كل بلد الذين لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه بحلول سن العاشرة. يتم احتساب فقر التعلم باستخدام تقييمات وطنية وعبر وطنية واسعة النطاق وعالية الجودة للصفوف من الرابع إلى السادس. تتم مقارنة البيانات بين البلدان بناءً على "مستوى الكفاءة الأدنى" في القراءة عند نهاية المرحلة الابتدائية، والذي حددته التحالف العالمي لرصد التعلم على النحو التالي:
"يقرأ الطلاب نصوصًا سردية وتفسيرية بسيطة وقصيرة بطلاقة واستقلالية. يحددون المعلومات المصرح بها صراحةً. يفسرون ويقدمون بعض التفسيرات حول الأفكار الرئيسية في هذه النصوص. يقدمون آراء أو أحكامًا شخصية بسيطة حول المعلومات والأحداث والشخصيات في النص."
تُستعمَل معدلات الالتحاق الصافي المعدلة للمرحلة الابتدائية، التي ينشرها معهد اليونسكو للإحصاء (UIS)، لإنشاء مؤشر فقر التعلم بحيث يأخذ في الاعتبار الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، الذين يُفترض أنهم غير قادرين على القراءة. يعزز هذا التعديل تمثيلية المؤشر على المستوى الوطني مقارنة بالمؤشرات التي تعتمد فقط على بيانات الطلاب المسجلين. تعتمد هذه الدراسة على بيانات فقر التعلم للفترة بين 2014 و2016، مع أربعة استثناءات تعود إلى 2011 بسبب توافر البيانات.
لغة التدريس والتوافق اللغوي
ينشر معهد اليونسكو للإحصاء (UIS) بيانات على مستوى الدول حول التوافق اللغوي بين المدرسة والمنزل، من خلال المؤشر: "الطلاب في الصفوف الأولى الذين تكون لغتهم الأم هي لغة التدريس" تعتمد هذه الدراسة على بيانات متاحة من التعليم الابتدائي، حيث يتم إنشاء هذا المؤشر باستخدام لغة اختبارات المدارس كبديل عن لغة التدريس، ثم مقارنتها بإجابات الطلاب حول مدى تحدثهم لغة الاختبار في المنزل أكثر من "أحيانًا" أو "أبدًا". تستند إجابات الطلاب إلى التقييمات الدولية TIMSS (الرياضيات والعلوم) وPASEC، اللذين أجريا في الصفين الرابع والثاني عامي 2015 و2014 على التوالي. يتم جمع هذه البيانات على مستوى الطلاب ثم يتم تجميعها على المستوى الوطني.
يُعدُّ تقييم TIMSS ممثلًا على المستوى الوطني، حيث يشمل نحو 4000 طالب من 150–200 مدرسة في كل بلد. وبالمثل، يُعد PASEC، وهو تقييم دولي يُجرى بشكل رئيسي في دول أفريقيا الفرنكوفونية جنوب الصحراء، ممثلًا على المستوى الوطني، ويشمل 900 مشارك في كل بلد تقريبًا. تُستعمَل هذه الدراسة بيانات معهد اليونسكو للإحصاء الخاصة بنسبة الطلاب الذين يتلقون تعليمهم بلغة أمهم في الصفوف الابتدائية المبكرة (الثاني والرابع)، ولكن مع عكس المؤشر إلى LOI≠L1 للحصول على معدل عدم التوافق اللغوي (RLD) الذي يواجهه الطلاب في هذه الصفوف على مستوى كل بلد.
تحليل البيانات الاقتصادية والاجتماعية
يعتمد استخدامي للبيانات التي جُمعت في نفس الفترة (وليس بشكل طولي) حول فقر التعلم (LPV) وعدم التوافق اللغوي (RLD) على افتراض أن سياسات وممارسات لغة التدريس كانت ثابتة خلال السنتين إلى الأربع سنوات التي سبقت جمع بيانات فقر التعلم.
بالإضافة إلى ذلك، أستخدم مؤشر نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (GNI per capita) بالدولار الأمريكي، وكذلك التصنيف الاقتصادي للبنك الدولي لعام 2016 للدول بناءً على هذا المؤشر إلى:
- دول منخفضة الدخل (≤ 1005 دولار سنويًا)
- دول متوسطة الدخل (1006 – 12,235 دولارًا سنويًا)
- دول مرتفعة الدخل (> 12,235 دولارًا سنويًا)
- نتائج الدراسة
-
تكشف نتائج هذه الدراسة عن وجود ارتباط قوي وإيجابي للغاية بين ضعف نتائج القرائية الأساسية وبين عدم التوافق بين لغة المنزل ولغة التدريس، مع ضبط تأثير دخل الدولة. تؤكد هذه النتائج ما توصلت إليه الأبحاث السابقة على المستويين الوطني والإقليمي، مما يبرز أهمية تحقيق تطابق أكبر بين لغة الطلاب ولغة التدريس، وخصوصًا لغة التعليم. فقد ثبت أن هذا التطابق يحسّن من مخرجات التعلم، ويزيد من فرص الوصول إلى التعليم، كما يعزز بقاء الطلاب في المدارس.
تُظهر هذه الدراسة كيف أن وجود ما أطلقت عليه "عدم التوافق اللغوي" يرتبط بنتائج ضعيفة في القرائية الأساسية، وهو ما قد يمتد إلى ضعف إمكانية الوصول إلى التعليم على نحو عام. وتؤكد النتائج ضرورة إعطاء الأولوية لقضايا عدم التوافق اللغوي في السياسات والأبحاث، بما في ذلك إجراء دراسات طولية وتحسين عمليات جمع البيانات. مثلما ينبغي اتخاذ سياسات مباشرة وموجهة تهدف إلى زيادة التطابق بين لغة المنزل ولغة التعليم، مع الأخذ في الاعتبار النتائج المحتملة الخاصة بكل سياق محلي استنادًا إلى الأبحاث ذات الصلة، سواء كانت محلية أو مقارنة.
وعلى الرغم من أن أهمية قضية لغة التدريس قد تم تسليط الضوء عليها فيما يتعلق بالدول الأفريقية والدول منخفضة الدخل عمومًا، فإن هذه الدراسة تؤكد ضرورة الاهتمام الجاد بهذه الظاهرة عبر مختلف الفئات الاقتصادية للدول. فالعلاقة بين فقر التعلم وانتشار عدم التوافق اللغوي تبدو أشد وضوحًا في الدول متوسطة الدخل، مما يشير إلى أن التدخلات السياسية التي تعزز تطابق لغة التدريس مع اللغة الأم في هذه الدول قد تحقق أكبر التحسينات في نتائج القرائية الأساسية مقارنة بغيرها من السياقات. يبرز هذا الأمر الحاجة إلى إعطاء الأولوية لصياغة سياسات اللغة في التعليم وإجراء التدخلات البحثية في هذه الدول، كجزء من الجهود الرامية إلى تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة: "التعليم الجيد" بحلول عام 2030.
كما تشير نتائج هذه الدراسة إلى قصور تعميم الدراسات المتعلقة بلغة التدريس عبر الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وهو ما يحدث غالبًا في الأدبيات البحثية.
إسهام منهجي جديد في الأدبيات المتعلقة بلغة التدريس
تُقدّم هذه الدراسة إسهامًا منهجيًا مهمًا في الأدبيات المتعلقة بلغة التدريس من خلال تحليل مقارن يشمل 56 دولة، وهو نطاق تجريبي غير مسبوق في هذا المجال. ومن خلال الاستفادة من مجموعات البيانات الحديثة التي أعدها كل من البنك الدولي (WB) ومعهد اليونسكو للإحصاء (UIS)، تستخدم الدراسة بيانات مبنية على إجابات الطلاب أنفسهم، مما يسمح لها بـ:
- تقديم تمثيل أكثر دقة لمعدلات عدم التوافق اللغوي على مستوى الدولة مقارنة بالمؤشرات الوطنية أو الإقليمية الأوسع.
- إدراج دول ذات مستويات متفاوتة من التنوع اللغوي، بدءًا من اليابان وبولندا، ووصولًا إلى كندا وإندونيسيا.
علاوة على ذلك، من خلال تحليل حالتي بوروندي وسنغافورة كمثالين على الحالات الشاذة في البيانات، حيث تتحدى العلاقة بين معدلات عدم التوافق اللغوي وفقر التعلم التوقعات التقليدية، تساهم الدراسة في تعميق الفهم السياقي لهذه الظاهرة، خاصة فيما يتعلق بجمع بيانات لغة التدريس. كما تؤكد على ضرورة النظر في العوامل المحلية الخاصة بكل بلد بدلاً من الاكتفاء باتباع الاتجاهات العامة.
التعلم بلغة ثانية (L2) ليس المشكلة، بل التدريس بها عبر المناهج
أخيرًا، لا تقلل نتائج هذه الدراسة من أهمية تعلم لغة ثانية (L2) بجانب اللغة الأم (L1)، بل تسلط الضوء على المخاطر المحتملة للتدريس عبر المناهج بلغة ثانية، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف نتائج القرائية الأساسية، ومن ثم التأثير في الفوائد والحقوق التعليمية التي ينبغي أن يحصل عليها الأطفال ومجتمعاتهم.
- التوثيق
-
Maya Alkateb-Chami . (2024). “Learning Poverty when schools do not teach in children’s home language: A comparative perspective”, International Journal of Educational Development 105 (2024) 102975